في تطور دبلوماسي بارز، شددت كل من تركيا ومصر على رفضهما القاطع لخطة إسرائيل للسيطرة الكاملة على قطاع غزة، معتبرتين أنها تمثل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي، وتهديدًا للاستقرار الإقليمي. وجاءت هذه المواقف خلال زيارة وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، إلى القاهرة، حيث أجرى مباحثات موسعة مع نظيره المصري بدر عبد العاطي، تناولت آخر تطورات الملف الفلسطيني، والعلاقات الثنائية بين البلدين.
خلفية الزيارة والتصريحات
وصل وزير الخارجية التركي إلى القاهرة في إطار جولة دبلوماسية تهدف لتعزيز التعاون الإقليمي ومناقشة الملفات الساخنة، وفي مقدمتها التطورات في غزة. وخلال مؤتمر صحفي مشترك، أكد فيدان أن خطة إسرائيل لاحتلال غزة بالكامل تمثل “سياسة إبادة توسعية”، داعيًا الدول الإسلامية إلى اتخاذ موقف موحد من خلال منظمة التعاون الإسلامي، والعمل على مواجهة هذه الخطة سياسيًا ودبلوماسيًا.
من جانبه، أكد وزير الخارجية المصري أن مصر ترفض أي إجراءات أحادية تهدف إلى تغيير الوضع القانوني أو الجغرافي لقطاع غزة، مشيرًا إلى أن الحل الوحيد يكمن في تطبيق قرارات الشرعية الدولية وإقامة دولة فلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
خطة إسرائيل المثيرة للجدل
بحسب تقارير إعلامية ودبلوماسية، تتضمن الخطة الإسرائيلية السيطرة الكاملة على مدينة غزة ومناطق واسعة من القطاع، في إطار عملية عسكرية موسعة تهدف – بحسب الرواية الإسرائيلية – إلى “القضاء على البنية التحتية للمقاومة”. لكن منتقدي هذه الخطة يرون أنها محاولة لفرض واقع جديد على الأرض، بما يضمن لإسرائيل السيطرة الأمنية والسياسية على غزة لعقود قادمة.
هذه الخطة أثارت موجة من الانتقادات الدولية، حيث اعتبرتها منظمات حقوقية انتهاكًا صارخًا لاتفاقيات جنيف والقانون الإنساني الدولي، فيما حذر خبراء من أن تنفيذها قد يؤدي إلى تصعيد غير مسبوق في المنطقة.
الموقف التركي: دعوة لوحدة الصف الإسلامي
ركزت التصريحات التركية على ضرورة توحيد الجهود داخل العالم الإسلامي لمواجهة الخطة الإسرائيلية، إذ شدد فيدان على أن “التفرق بين الدول الإسلامية هو أكبر هدية يمكن أن تُقدم لإسرائيل في هذه المرحلة”. وأشار إلى أن منظمة التعاون الإسلامي يجب أن تلعب دورًا فاعلًا، ليس فقط في إصدار بيانات الإدانة، ولكن في اتخاذ خطوات عملية على الأرض.
كما لمّح الوزير التركي إلى إمكانية عقد قمة طارئة للدول الإسلامية، لبحث تداعيات الخطة واتخاذ موقف مشترك، وهو ما اعتبره مراقبون إشارة إلى رغبة أنقرة في لعب دور قيادي في الملف الفلسطيني.
الموقف المصري: ثوابت لا تتغير
من جانبها، حافظت القاهرة على مواقفها الثابتة تجاه القضية الفلسطينية، مؤكدة رفضها لأي مساس بالوضع الراهن لقطاع غزة. وأوضح الوزير بدر عبد العاطي أن مصر، بحكم موقعها الجغرافي ودورها التاريخي، تتحمل مسؤولية حماية الشعب الفلسطيني من أي إجراءات تهدف لاقتلاع هويته أو السيطرة على أرضه.
وأشار إلى أن مصر ستواصل جهود الوساطة بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل، لكنها لن تقبل أن تتحول غزة إلى منطقة محتلة بالكامل تحت السيطرة الإسرائيلية، معتبرًا أن ذلك سيقوض أي فرصة لعملية السلام في المستقبل.
التعاون التركي المصري: مصالح مشتركة
رغم التباينات السياسية التي كانت قائمة بين أنقرة والقاهرة خلال العقد الماضي، إلا أن الملف الفلسطيني يبدو اليوم نقطة التقاء بين البلدين. فالتصريحات المتطابقة، والحرص على إظهار موقف موحد، يعكسان رغبة الطرفين في التنسيق المشترك، خصوصًا في ظل التغيرات الإقليمية والدولية.
ويرى محللون أن هذا التقارب يعزز من فرص تشكيل جبهة إقليمية قادرة على التأثير في مسار الأحداث، خاصة إذا ما انضمت إليها دول عربية وإسلامية مؤثرة.
ردود الفعل الدولية
حتى الآن، لم يصدر موقف موحد من القوى الكبرى حول الخطة الإسرائيلية، لكن بعض العواصم الغربية أبدت قلقها من أن تؤدي هذه الخطوة إلى تفجير الأوضاع. في المقابل، صدرت مواقف إدانة قوية من إيران، وقطر، وماليزيا، ودول أخرى، وهو ما قد يفتح الباب أمام تحالفات جديدة على أساس الموقف من غزة.
السيناريوهات المحتملة
مع رفض مصر وتركيا للخطة الإسرائيلية، يطرح المراقبون عدة سيناريوهات:
1. تصعيد دبلوماسي عبر المحافل الدولية ومنظمة التعاون الإسلامي.
2. تحركات شعبية وإعلامية للضغط على المجتمع الدولي.
3. وساطات إقليمية لوقف أي تحركات ميدانية إسرائيلية.
4. احتمال التصعيد العسكري إذا مضت إسرائيل في تنفيذ خطتها رغم الرفض الدولي.
الخاتمة
زيارة وزير الخارجية التركي إلى القاهرة لم تكن بروتوكولية بحتة، بل جاءت في توقيت حساس للغاية، لتؤكد أن غزة لا تزال في قلب الصراع السياسي والإقليمي. وبين دعوة أنقرة لوحدة الصف الإسلامي، وتمسك القاهرة بثوابتها التاريخية، تتشكل ملامح جبهة جديدة لمواجهة أي محاولات لتغيير واقع القطاع. لكن يبقى السؤال: هل يكفي الموقف السياسي لوقف الخطة الإسرائيلية، أم أن المنطقة مقبلة على مرحلة أكثر سخونة من أي وقت مضى؟
